التسامح الديني بين الأمس واليوم:
لايمكن للإنسان في هذا الوجود أن يعيش بمفرده، فهو مجبول على التعايش مع الآخر،ولهذا اقتضت سنة الكون أن يتواجد الناس في الأرض على شكل تجمعات بشرية تختلف فيما بينها من ناحية العرق والدين والثقافة غير انها تتفق فيما بينها في الرغبة بالبقاء والاستمرارية والتواصل وتحقيق النجاح في الحياة.
وقد صرح القرآن الكريم بهذه الحقيقة في قول تعالى( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) فالآية تؤكد ما توصل إليه الفلاسفة وأثبته الواقع كذالك،فوجود الإنسان في تواصل مع الآخر رغم الاختلاف والتباين لابد منه وهذا ما يعى بالتسامح الديني،لأن الاختلاف من طبائع البشر لايعني لانفصال فهناك الشر والخير ،الحب والبغض،التواضع والتكبر...
ورغم ذالك نجد البشر يتعايشون مع بعضهم البعض،و هذه هي قيمة التسامح الديني نعني به أن يقبل الأنا بالأنا الآخر ويعترف بالتغاير والاختلاف، الإيمان بأن الإنسان بطبعه له تكوينه الخاص من الناحية العقلية والنفسية.
والتسامح له تأثيره على البشرية جمعاء،فقبول الاختلاف في الرأي والفكر وحرية التعبير يدعم سياسة بناء مجتمع حضاري وتفعيل قواعد هذا المجتمع،ولن يتأتى ذالك إلا إذا تواجد الاحترام المتبادل والتقدير المشترك والاعتراف بالآخر(ديناً وعرقاً وثقافة) .
ولو تأملنا جميع الأديان السماوية لوجدنا أنها تدعو للخير والإصلاح سواء كانت مسيحية أو إسلامية،فالدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والعفو والمغفرة كما جاء في قوله تعالى ( وإن تعفو هو أقرب للتقوى)،فنجد هذه المعاني ،في الديانات الأخرى، فالإنجيل -مثلا-يقول( لاتقابل الشر بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول إليه خدك الأيسرومن أخذ ردءك فأعطه إزارك ومن سخرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين) فالتسامح مطلب إنساني دعت إليه جميع الأديان واقتضته الفطرة الإنسانية.
ولو عدنا للتاريخ القديم (العصر العباسي) نجد أن المسلمين انفتحوا على ثقافة الحضارات الأخرى( اليونانية- الهندية-الفارسية) وأخذوا من علومهم وآدابهم كما استفادت تلك الشعوب من علوم العرب وثقافتهم وهذا مايدعى بالتاثير والتأثر ويتواصل التبادل بين الامم فنجده في عصر النهضة من خلال تلك البعثات العلمية التي قام بها الحكام امثال محمد علي الذي كان يقوم بإرسال بعثات علمية إلى أروبا من اجل التحصيل العلمي الثقافي ،ونجد العكس كذالك فعلماء الغرب عمدو إلى الأخذ بعلوم العرب فتعلموا لغتهم وأبدعوا في شتى المجالات(اللغة- الأدب التاريخ) دون عقدة أو تعصب للآخر.
لذالك وجب على الإنسان في يومنا هذا أن يتخلى عن فكرة التعصب للأخر ويسير على نهج المسلمين الذين برهنوا عبر تاريخهم على أنهم متسامحون دينياً.